التعليم عن بعد
مفهومه
كما يمكّن التعليم عن بعد المتعلم من اختيار وقت التعلم بما يتناسب مع ظروفه، دون التقيد بجداول منتظمة ومحددة سلفا للقاء المعلمين، باستثناء اشتراطات التقييم. الأمر الذي يعنى حضور "المدرسة" للمتعلم بدلا من ذهابه للمدرسة في التعليم التقليدي
ولكل ذلك لا يمكن أن يقوم نسق فعال من التعليم عن بعد في غياب تواصل قوى، ومتبادل، بين المعلم والمتعلم عن بعد، ويفضل أيضا بين قرناء على البعد، يتكيف حتما بالتقنية ووسائط الاتصال المستخدمة. إذ أن غياب هذا التواصل يعنى تدهور التعليم عن بعد إلى صورة "حديثة" من التعليم بالمراسلة من خلال الدرس المستقل للمتعلم
تطوره
فحيث يمثل التعليم بوجه عام وظيفة أساسية في المجتمعات البشرية، كان طبيعيا أن تتغير أشكال التعليم بوجه عام، وتتطور، مع تصاعد التطور التقانى. وحيث يعتمد التعليم عن بعد بوجه خاص على تقنيات الاتصال، مهّد كل طور من التطور في هذه التقنيات لبزوغ الأشكال المناسبة له من التعليم عن بعد
فتطور شبكات البريد أنتج التعليم بالمراسلة عبر المواد المطبوعة والمكتوبة. وأدى بدء البث الإذاعي إلى استخدام الراديو في التعليم. وبتقدم الصناعات الكهربائية والإلكترونية ازداد دور الصوتيات بشكل عام في التعليم من خلال أجهزة التسجيل, ثم ظهر التلفزيون، وتلاه الفيديو. وازدادت أهمية أشكال البث التعليمي، سمعا ورؤية، مع شيوع استعمال الأقمار الصناعية. وبانتشار الحواسيب الشخصية وشبكات الحواسيب، أصبحت تطبيقات الحواسيب، خاصة تلك القائمة على التفاعل، من أهم وسائل التعليم عن بعد، وأكثرها فعالية، وعلى وجه الخصوص في ميدان التعلم الذاتي
في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، منحت أولى تراخيص "الراديو التعليمي" في العشرينيات الأولى من القرن الحالي، وبدأ البث التلفزيوني التعليمي في عام 1950. ولم تنشأ أولى، وربما أهم، الجامعات المفتوحة إلا في عام 1971 في بريطانيا. وبدأ استخدام شبكات الحواسيب في التعليم والتعلم في الولايات المتحدة الأمريكية عندما وفرت "مؤسسة العلم القومية" للجامعات الأمريكية فرصة استعمال شبكة الإنترنت في منتصف الثمانينيات. وتلا ذلك، أي في التسعينيات، بدء انتشار استعمال الوسائط الحاسوبية في التعليم قبل الجامعي، وفى أماكن العمل وفى البيوت
متطلباته
لكل نوع من التعليم عن بعد، وفى الواقع لكل هدف تعليمي محدد وسائط تقنية أكثر مناسبة من غيرها، فالراديو يساعد على شحذ الخيال، والتلفزيون فعال في التعامل مع الأحداث المركبة، والحواسيب تناسب اكتساب المهارات الناجمة عن التكرار والممارسة والتفاعل (وبالمناسبة، تدل البحوث الحديثة في تكوّن الذاكرة طويلة الأجل على الدور الجوهري لتكرار الخبرة). ولذلك فإن تعدد الوسائط التقنية، في سياق التعليم متعدد القنوات، يوفر مجالا أرحب لإثراء العملية التعليمية. كذلك يتكيف استخدام الوسائط التقنية بظروف المجتمع المحدد الذي تقوم فيه، سواء من حيث التوافر، أو النوعية أو كفاءة الاستغلال.
وتجدر الإشارة هنا إلى ملحوظتين أساسيتين.
*  أولاَ:
أن استعمال أشكال التعليم عن بعد المختلفة والتركيز النسبي على أي منها، في أي مجتمع، رهن بالتشكيلة التقنية القائمة فيه وبمقوماتها المجتمعية، بما في ذلك البنية الأساسية والتنظيمية
*  ثانياَ:
أن استخدام الأشكال الأكثر فعالية من التعليم عن بعد، تلك التفاعلية باستخدام الحواسيب والشبكات، والمؤثرة على نوعية التعليم، حديث نسبيا حتى في المجتمعات المتقدمة. وأن هذه الأشكال هي في الوقت نفسه الأكثر كثافة تقنيا، والأعلى تكلفة، والأكثر حاجة لبنى تحتية مكلفة هي الأخرى. والبلدان النامية مستقبلة متأخرة لهذه الإمكانيات، ومن ثم لن يمكن، وفق مجريات الأمور الراهنة، التوصل لها إلا لأقلية، تتضاءل في المناطق الأفقر.
ويقل توافر وسائل الاتصال الحديثة في البلدان النامية مع حداثة وسيلة الاتصال، وارتفاع ثمنها (التليفون والفاكس والحواسيب والإنترنت) ومدى حاجتها لبنية أساسية مكلفة (التليفون والفاكس والإنترنت). وبعبارة أخرى، يقل توافر وسائل الاتصال كلما زادت فعاليتها في التعليم عن بعد ومن باب أولى، في التعلم الذاتي عن بعد.
كذلك يتعين ملاحظة أن المهم ليس مجرد الوجود، ولكن مدى إمكان الاعتماد عليها- فمازال البريد العادي غير مضمون وصوله، ناهيك عن وصوله بسرعة، لعموم القطر، وتقلل الأعطال المتكررة من الاستفادة من وسائل الاتصال الباقية، في بلدان نامية.
والنوعية مسألة حتى أعقد. وهنا تثار أمور مثل: هل تصل التليفونات "كابلات" نحاسية تقليدية أو ألياف ضوئية، وأي أساليب نقل المعلومات تطبق في الشبكات؟ حيث تحدد هذه الفروق طاقة نقل المعلومات ومدى سرعة نقلها عبر الشبكات، ومن ثم درجة غنى الرسائل التعليمية التي يمكن نقلها.
|
انت الزائر رقم |